يبقى السفير محمد العرابى مساعد وزير الخارجية وسفير مصر السابق لدى ألمانيا لثمانى سنوات متصلة اسما دبلوماسيا مرموقا بحكم تجربته الثرية التى امتدت لأكثر من خمسة وثلاثين سنة من العمل الدبلوماسى، كان خلالها قريبا من قامات دبلوماسية شامخة، إذ كان عضوا فى مكتب كل من د. بطرس غالى وزير الدولة للشئون الخارجية الأسبق ثم عضوا فى مكتب د. عصمت عبدالمجيد وزير الخارجية الأسبق ثم مديرا لمكتب عمرو موسى وزير الخارجية الأسبق..كما أنه رأى المطبخ السياسى الذى كان يتحكم فى مصر فى أوقات دقيقة بلا رتوش أو تزييف.
سألناه: إلى أى مدى يمكن أن يسهم ما أعلنه الرئيس أوباما بدعم الاقتصاد المصرى بمليارى دولار فى خطابه الأخير بالإضافة إلى مبادرة خادم الحرمين الشريفين التى تدور حول حزم اقتصادية تصل إلى أربعة مليارات دولار فى خلجنة الأزمة الاقتصادية الراهنة؟
فقال: يجب أن نوضح بداية أن وضعنا الداخلى هو الذى يجب أن يكون بمثابة دعوة تشجيع الآخرين فى التفكير فى تطوير عملية المساعدات ودعم التنمية فى مصر أو إقامة شراكات مشتركة، ويجب أن يكون هذا هو المنطلق وأن ينصب اهتمامنا على الوضع الداخلى لأننى أعتبره الوصفة السحرية إذا جاز التعبير لكى ننطلق إلى الأمام ويدفع الجميع إلى تطوير شراكتهم مع مصر لأنه ستكون لهم مصلحة فى ذلك.
وأعتقد أن استقرار الأوضاع داخل مصر مع المضى قدما فى مسار الديمقراطية سينعكس مباشرة على حركة التنمية وهذا المثلث يجعل الآخرين ينظرون إلى مصر على أنها شريك اقتصادى «جاد» ويسعون لتحقيق طفرات اقتصادية مشتركة ويطرحون أفكارًا خلاقة وجديدة من نوعها. ؟ كيف يمكن أن تؤتى مشاركة رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف فى قمة الدول الصناعية الثمانى الكبرى ثمارها من واقع درايتك بهذا الملف عندما كنت مساعدا لوزير الخارجية للعلاقات الاقتصادية الدولية؟
- بداية يجب أن نؤكد أن هذه الدعوة فى حد ذاتها إحدي ثمار «ثورة 25 يناير» وهذه الحقيقة يجب أن تكون واضحة، لأن الثورة هى التى دفعت الدول الثمانى الصناعية الكبرى أن تدعو مصر وكذلك تونس لكى يستمعا ويتعرفا على تطلعاتهما وخططهما بالنسبة للمستقبل وفى نفس الوقت حشد نوع من الدعم السياسى والاقتصادى، لأن هذه الثورات قامت من أجل تحقيق الغاية التى يحترمها العالم ويحترم من يحترمها وهى «الديمقراطية» ولم يحدث من قبل وأنا كنت مشرفا على ملف الدول الصناعية الكبرى فى وزارة الخارجية كمساعد لوزير الخارجية، أن تتم دعوة مصر على هذا الشكل، وكانت الدعوة توجه لنا بصفتنا إحدى الدول الأفريقية المؤسسة لمبادرة النيباد وكانت فى حقيقتها دعوة شكلية للاستماع لآراء الدول الأفريقية فى موضوعات التنمية وتأكيد الغرب على مسألة تحقيق الشفافية والحكم الرشيد فى هذه الدول أى أنها لم تكن نوعًا من الحوار بقدر ما هو إملاء التوصيات ولكن الآن الدعوة للحوار والتعرف والمشاركة، ولكن كما كانت الدعوة مختلفة أتمنى أيضا أن نذهب إلى هناك وفى جعبتنا رؤية واضحة لما نريده وخططناه للمستقبل لأنهم سيهتمون بهذا الأمر كثيرا وما هى المسائل التى تحتاج سرعة فى التطبيق والتنفيذ وأرى أن نركز على المشروعات كثيفة العمالة حتى نحد من معدل البطالة وكذلك مشروعات الطاقة المتجددة لأن الغرب مهتم كثيرا بهذه المشروعات وخاصة مجموعة الدول الثمانية.
* وماذا عن المحيط العربى؟
- أعتقد أن المحيط العربى جاهز لمساندة مصر، والمملكة العربية السعودية بالفعل بادرت بحزمة من الحوافز الاقتصادية وأؤكد لك أنه ستكون هناك حزم أخرى من الكويت والإمارات وقطر ودعنا ننتظر الفترة القادمة التى ستحمل تفاصيل المساندة العربية لمصر.
* رغم أن الثورة المصرية فاجأت العالم، فإن هناك مؤشرات لانهيار النظام ظهرت على مدار السنوات العشر الماضية.. كيف كنتم ترصدون هذا الانهيار داخل المؤسسة الدبلوماسية خاصة أنكم لمستم بأنفسكم تراجع الدور المصرى فى العشر سنوات الأخيرة؟
- هذا السؤال جيد.. بالتأكيد كنا نرصد التراجع وملامح الانهيار فى مواضع كثيرة، ولعلك تتذكر مثلا عندما سعت مصر لاستضافة كأس العالم الذى أقيم فى جنوب أفريقيا العام الماضى والصفر الشهير الذى حظى به الملف المصرى.. المسألة كان لها بعد سياسى.
فأذكر أننى ذهبت إلى وزير خارجية ألمانيا وكان «يوشكافيشر» وكنت وقتها سفيرا لمصر هناك، وكان غرض زيارتى الحصول على دعم ألمانيا للملف المصرى، ولكن الرجل كان واضحا وصريحًا للغاية، إذ قال لى إن بلاده ستعطى صوتها لجنوب أفريقيا، فسألته لماذا؟.. فرد قائلا لأننا نعلم ماذا ستكون عليه جنوب أفريقيا عام 2010، لكن مصر لا أحد يعرف ماذا سيكون شكلها عام .2010 لا يوجد تأكد من النظام السياسى، وانعكس هذا على القدرة الاقتصادية والواقع الاجتماعى لمصر.
وكان هذا الحديث على ما أذكر فى عام 2003 ويوضح لك كيف كان ينظر العالم لمصر فى العقد الأخير.. ولكننا «كمؤسسة الخارجية» وهى مؤسسة وطنية محترفة تعمل من أجل مصر وعلم مصر وشعب مصر كنا نقاتل من أجل الحفاظ على وضع بلدنا الدولى، وكنا ننجح أحيانا، ولا نوفق فى بعض الأحيان.
وكنا نستمع ونتعامل مع نظرة الآخرين لنا ومسألة «عدم التأكد» من مستقبلنا السياسى والاقتصادى والاجتماعى، وأعتقد أن هذا الأمر، أو ما يتعلق بنظرة العالم لنا تغير تماما بفضل ثورة يناير لأن قبل هذه الثورة كان العالم متشككًا فى مستقبل مصر، فى حين أن العالم لديه الآن يقين أن مصر تسير على الطريق الصحيح نحو الديمقراطية، والديمقراطية أراها بوابة مصر للانطلاق إلى ريادة منطقتها العربية والأفريقية ويحقق لها وضعية مختلفة على الخريطة السياسية العالمية، والديمقراطية هى التى ستأتى بالتطور الاقتصادى والتطور الاجتماعى.
* وماذا كان عما يدور أمامك داخل المطبخ السياسى للنظام السابق خاصة فى لحظات علاج مبارك؟
- فترة العلاج الأولى التى كانت فى عام 2004 للرئيس السابق حسنى مبارك، بلا شك أنها كانت بداية تغيير شكل الحكم فى مصر.. وكلنا لاحظنا ذلك فى البعثة الدبلوماسية هذه الفترة، كانت مرحلة جديدة فى حكم مصر، الرئيس السابق أصابه الضعف نتيجة كبر السن ويمر بعملية جراحية كبيرة وابنه الأصغر «جمال» يصعد أو يتم تصعيده بشكل مباشر ولا أود أن أخوض فى تفاصيل أكثر فى هذا الخصوص الآن.
* هل توقعت عند عودتك من برلين أن يتم إبعادك لتولى القطاع الاقتصادى خاصة أنه قبل تولى عملك فى ألمانيا كنت تشغل موقع الرجل الثانى فى وزارة الخارجية كمدير لمكتب عمرو موسى ثم أحمد ماهر؟
- أعتبر نفسى دبلوماسيًا محترفًا وأعشق مهنتى وهذا كان دستور عملى فى وزارة الخارجية ولعلمك عندما كنت سفيرا فى ألمانيا كنت أستقبل أى مواطن قادم للعلاج وليس فقط رئيس الجمهورية، وكنا نذهب لزيارة المواطن القادم للعلاج ومنهم شخصيات ومسئولون سابقون وكانوا يتعرضون لضغوط حتى لا يتم علاجهم فى ألمانيا وكنت أسعى لإنهاء إجراءاتهم وأقف بجوارهم من موقعى كسفير لمصر.
ولن أذكر أسماء وهم أحياء يرزقون، وقمت بواجبى على أكمل وجه مع المواطن قبل المسئول أو حتى رأس الدولة، ولم أكن أنتظر شيئا لأن ذلك يتنافى مع تربيتى ومبادئى لأن الإنسان يجب أن يقوم بما عليه بشرف ونزاهة دون انتظار المقابل وعندما عدت من ألمانيا كمساعد وزير خارجية للمرة الثانية وهى نادرة الحدوث، لكنى تقبلت الأمر واشتغلت فى الملف الاقتصادى واكتسبت منه خبرة كبيرة لحين أحلت للتقاعد فى 26 يناير الماضى.
* النجاح الذى حققه الدكتور نبيل العربى وزير الخارجية فى فترة قليلة كيف يمثل تحديا للوزير الذى سيخلفه عندما ينتقل الدكتور العربى كأمين عام لها؟
- الدكتور نبيل العربى هو أستاذنا ولا يوجد تلميذ يقيم أستاذه، والدكتور العربى قامة دبلوماسية كبيرة ليس فى مصر فقط ولكن فى العالم، وتولى مسئولية الخارجية في أصعب فترة ممكن يتولي فيها وزير مسئولية السياسة الخارجية لمصر، وجاء أيضا فى وضع استراتيجى جديد فى الشرق الأوسط، والدكتور نبيل تمكن بذكاء من توظيف هذا الوضع الاستراتيجى الجديد فى خلق وضعية استراتيجية جديدة لمصر تخدم سياستها الخارجية.
* وكيف تمثل شعبية الدكتور نبيل العربى تحديًا لمن سيخلفه؟
- وزير الخارجية كوظيفة لا يسعى إلى الشعبية ولكنه يحترم إرادة الشعب، وفى اعتقادى أن الدكتور العربى لم يسع إلى الشعبية ولكنه احترم إرادة الشعب، والثورة جعلت الشعب يتطلع إلى كل ما هو جديد وهذا انعكس على أداء الخارجية المصرية لأنها استطاعت أن تتجاوب مع قوة الدفع التى نتجت عن الثورة بشكل هائل وساعدها فى ذلك أجهزة ومؤسسات أخرى في الدولة المعنية التى تعمل فى منظومة السياسة الخارجية، وثورة مصر كانت بمثابة زلزال فى المنطقة خلق واقعًا استراتيجيًا جديدًا، وبخبرة الدكتور العربى ودرايته وحكمته استطاع أن يوظف هذا «الزلزال» فى سياسة خارجية سليمة لمصر وأعتقد أن من سيأتى بعده سيكون فى نفس المسار.
No comments:
Post a Comment